الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

الفصل الثالث ـــــــــ فدوى : محاولة أعلم إنها بلا جدوى



أكاد أن أصاب بالجنون .. لابد أن أجد حلاً ما ...
لا أعلم ماذا يمكننى أن أفعل ..
لقد حاولت كثيراً .. أقسم أنى جربت معه كل شئ ...... ولا فائدة ..
أنا كمن يحرث فى ماء البحر ...

وبعد أن ذرعت الغرفة ذهاباً وإياباً مئات المرات ، هرعت إلى المكتبة و قد خطر لى إنى قد أجد شيئاً مفيدأ فى أطنان كتب الزواج التى كلفتنا ثروة ، بحثت أولاً فى قواعدنا المكتوبة – التى ظننت يوماً أنها ستنقذ زواجنا من المصير الذى ينتهى إليه الجميع – لابد إنى قد وضعت نصاً ما يمنعه من معاملتى كقطعة من الأثاث ....

جالت عيناى بكل هذه السطور و الشروط الكثيرة ...... لم ينتج عنها فائدة ما ...
لايزال حريصا على أغلبها كما وعدنى ... ولكنه ينفذها كالتزام ثقيل .. لم يعد متحمساً لهذا كله ...
ألقيت بالأوراق فى أحد أدراج المكتب ...
ما الجدوى البحث عن نص ما أواجهه به مذكرة إياه أنه قد وعد بالألتزام به ولم يفعل ..؟
لا جدوى على الأطلاق ......
لن ينصت إلىّ ... لقد كف عن الإنصات منذ زمن .......

وبدأت أبحث فى كتب الزواج التى قتلتها دراسة ، ربما أكثر من مراجع دراستى ، وكذلك فعل هو والحق يقال ...
لقد أصررت أن ندرس هذا جيداً لأنه أصر على الزواج فور تخرجنا رغم إعتراضى .. لم أكن لأمانع فى خطبة تدوم عشر سنوات حتى أتأكد من إننا سنكون سعيدين ...
على أى حال .. يجب أن أبحث من جديد ....

قلبت آلاف الصفحات ، وأخيراً .. وجدت كتاباً يحوى مجموعة من المقالات وفى إحداها كان الكاتب يعرض حالة مشابهة لحالتنا ، زوج أصيب بالخرس و زوجة توشك أن تصاب بالجنون ... و يقول أن الحل هو :


" إجازة زوجية قصيرة ... اتركيه يا عزيزتى بضعة أيام ليدرك حاجته إليك . و حين تعودين ، سيستقبلك بذراعين مفتوحتين و لسوف يرحل عنكما الملل إلى غير رجعة "

يالها من فكرة حمقاء ...
ماذا يعلم هذا الكاتب الساذج عن أى شئ ؟
إن زوجى مشغول تماماً بكتبه وأبحاثه حتى أصبح لا يكاد يشعر بوجودى ..
أشك أن يشعر بذهابى أصلاً ... بل لربما أتاح له ابتعادى الانغماس فى القراءة والدراسة دون إزعاج ...

لكن ..... ولما لا ؟ ....
إننى لم أعثر على أى فكرة أخرى ....
أعتقد أنى يجب أن أفعل هذا .. على الأقل سيتيح لى ابتعادى فرصة للتفكير فى حل أفضل ...
والآن ....... فلأحاول إختلاق عذر وجيه لترك المنزل ...............


- " سأذهب إلى الشاليه لبضعة أيام ..... "
قلتها فى صباح اليوم التالى أثناء تناولنا للأفطار .. فترك فنجان الشاى و حدق بى فى دهشة
- " الشاليه ؟ ؟ ....... لماذا ؟ "
تنفست بعمق قبل أن أجيبه :
- " إنه مغلق منذ كنا هناك فى المرة الأخيرة ... وكان هذا منذ أكثر من عام .. و قد فكرت أن اشغل وقتى فى إجراء بعض التعديلات و لو فى مواضع الأثاث ......
كما إنى ........ أريد أن أكون بمفردى قليلاً ....
هناك الكثير فى ذهنى يحتاج لإعادة ترتيب
"

- " لكن ............. "
- " لن يمثل غيابى مشكلة ما .... أنا واثقة من هذا ....... ستجد فى المنزل كل ما تحتاج إليه .. كل شئ فى موضعه و ستجده بسهولة .. وإذا أردت شيئاً إضافياً فبالتأكيد تستطيع أن تتصرف .. أو تنتظر يومان حتى أعود ...."
- " لكن .......... لماذا لا تنتظرين حتى موعد إجازتى ؟ ... سنستطيع وقتها أن نذهب معاً و ...... "
- " لكنى أحتاج حقاً أن أذهب وحدى ......... "
قلتها ، ثم أضفت بلهجة ساخرة :
- " و ستستطيع هكذا أن تعمل فى هدوء و بلا إزعاج ... "
ثم تابعت بنبرة أقل حدة :
- " أنا أيضاً أحتاج لبعض الهدوء يا خالد .. لأفكر فى .. فى .. فى عدة أمور هامة "
- " لكن .......... "
قال بعصبية :
- " لا يمكن أن تذهبى بمفردك ... لازلنا فى بداية الربيع .. باقى الشاليهات ستكون مهجورة تماماً ..... كلا .. ليس من الآمن أن تكونى وحدك ... "
- " أنت تعلم أن هناك حرس دائم ، كأى قرية سياحية أخرى ... كما أنى تحدثت إلى داليا بالأمس و أخبرتنى أنها هناك مع أسرتها .. و ستكون قريبة منى جداً .. وأسماء أيضاً ربما تأتى .. و لن يتركونى أنعم بلحظة من الوحدة "

ظل لفترة يتأملنى فى صمت ... ثم تمتم :
- " حسناً إذاً ..... إذا كنت تريدين هذا حقاً ... فلا مانع "
- " أنا أريد هذا حقاً ..... "

تباً ... يحاول التظاهر بأن هذا يزعجه وإنه وافق مرغماً .. رغم إنى أكاد أقسم أنى لمحت بريق الأرتياح فى عينيه حين ذكرته إنه سيعمل دون مقاطعة ..
وتجاهلت هذا كله .. رغم أنى كنت أحترق غيظاً ........

ربما لم تكن هذه فكرة حمقاء إلى الحد الذى ظننته ...
حسناً يا خالد .. سأذهب ...
وإذا كنت ستكون سعيداً إلى هذا الحد بدونى ، فلا داع لاستمرارنا سوياً بعد هذا .....


الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

الفصل الثانى ـــــــــ خالد : لم أعد أفهمها



لا أدرى ماذا دهاها ....
منذ فترة لم تعد هى ...
أصبحت شاردة دائماً ، نظرة يائسة ملتصقة بعينيها ...
ونادراً ما تتحدث ...
لم تكن هكذا من قبل ...
فى أثناء دراستنا كانت دوما مرحة .. لا تكف عن الحديث والجدال ...
عيناها مشرقتان .. وابتسامتها شمس لا تغيب ..
أما الآن ......

أعترف أنى كنت مشغولاً جداً فى الفترة الأخيرة ..
عملى فى السلك الدبلوماسى يتطلب جهداً و دراسة دائمين كى أحقق نجاحاً ما .. ولا يبدو أنها تفهم هذا ... رغم كل محاولاتى .....

فى البداية ، كانت تلومنى على انشغالى الدائم عنها ، وتذكرنى " بالقواعد السلوكية " الخاصة بزواجنا .. ثم كفت عن ذلك ....... ثم كفت عن الحديث اصلاً ....

أنا أحبها فعلاً ... أحببتها دائماً .. وجاهدت كى أجعلها تفهم هذا و تؤمن به ، و خضت حروباً طويلة – كفتوحات الإسكندر الأكبر – كى أقنعها بالزواج منى و بخطأ قناعاتها الراسخة بفشل الزواج كنظام إجتماعى ....
كانت مصابة بما يشبه " فوبيا " من الزواج .. كانت ترى كل الزيجات فاشلة وكل الأزواج تعساء يتظاهرون بالعكس ...
وكنت أرى إنها تبالغ كثيراً ..
ولكنى – لأنى أحبها – اضررت إلى موافقتها على ما تقول ... والأمتثال لأوامرها كلها ...
يعلم الله ، كم أرهقنى البحث فى كل مكتبات المدينة عن أى و كل كتاب يتناول الزواج من قريب أو من بعيد ..
ثم السهر حتى الشروق – بعد شرب جالون من القهوة – لأقرأ كل هذه السخافات لأناقشها معها فى الصباح ، متجاهلاً مراجع دراستى التى يفترض أن استوعبها جيداً قبل الإمتحان ....
وكل هذا كى أرضيها و أنفذ ما طلبت من :
" دراسة أخطاء الأخرين لنستطيع تفاديها ... فننجح فى تحقيق نوعية الحياة التى ننشدها "

كما كانت تقول ، و حين اقترحت وضع قائمة على غرار " إفعل ولا تفعل " وأسمتها بـ :
"
القوانين التى ستجعل من زواجنا التجربة الناجحة الوحيدة للزواج فى العالم كله .. "

رأيت كل هذا سخيفاً جنونياً و لا يطاق ...... ولكنى وافقت كى يطمئن قلبها ...
وعاهدتها على الألتزام بكل هذا الهراء ...... ولقد فعلت !!!!

ولكن الآن .... منتصف العام الثانى لزواجنا ... اشعر بوجود خلل ما ..
لم تعد تبدو سعيدة .. ولا أعلم السبب ..
حقاً لم أعد أفهمها .. لو كانت تتحدث إلى .. لو تخبرنى ماذا هناك ..

منذ عرفتها لم أرها يوماً إلا وكانت مشرقة تتراقص السعادة فى عينيها .. كانت سعيدة طيلة سنوات دراستنا .. وكذلك كانت فى أثناء خطبتنا و بداية زواجنا ...
إذا كانت تبدو الآن تعسة فهذا – بالتأكيد – بسببى أنا .....
لكن لماذا ؟؟
لقد التزمت بكل قواعدها – والله يشهد – وضغطت على أعصابى كثيراً كى لا أصيح فى وجهها – رغم كل استفزازاتها – حين أعود من عملى منهك القوى .. و قبل أن أحصل على ساعة من النوم ، تبدأ فى لومى و تأنيبى على أنى أصبحت أعتبرها من ممتلكاتى الخاصة ولم أعد أهتم بها على الأطلاق أو أتحدث إليها أو .. أو ....
إلى أخر الأسطوانة .......

لكنى تحملت هذا كله فى صبر .. حتى توقفت عنه ...
لماذا لا تحتمل هى الأخرى بعض الشئ ؟ .....

ما الخطأ فى أن أكون مشغولاً ؟
إننى مشغول بعملى .. ليس الأمر كأننى أتركها وأذهب للقاء امرأة اخرى أو اتسكع على المقاهى ...
إننى أرهق نفسى من أجلها .. من أجل مستقبلنا معاً .. و حياتنا .. وأسرتنا الصغيرة ..
لابد لها أن تفهم هذا .. أنا أيضاً أفهم أن سلوكها الغريب كله يعود غالباً لشعورها بالملل ..
إنها وحيدة فى المنزل فى معظم الوقت ..
سأعنى بهذا فيما بعد ..
بعد ثلاثة شهور سأحصل على إجازتى السنوية و حينئذ يمكننا السفر إلى أى مكان جميل ..
أما الآن ، فعلينا أن ننتظر ...
على أى حال ، ليس الأمر خطيراً إلى هذا الحد ....