الأحد، 19 أكتوبر 2008

كلنا ليلى :.... لقطات ........



مشهد لاتوبيس نقل عام مزدحم

هى ، تصعد و تجول ببصرها بين المقاعد .. ثم باستسلام تختار بقعة لتقف فيها .. تجمع اكياس المشتروات الثقيلة التى تحملها فى احدى قبضتيها و ترفع الأخرى لتتمسك بالمقبض المتدلى من سقف الحافلة .. تحرص ان تضم حقيبتها تحت ابطها بإحكام خوفاً من النشالين .. و تستميت ان تقف ثابتة قدر الأمكان ، محاذرة ان ترتطم بالرجل الواقف الى جوارها او تحتك بالشاب الجالس امامها او بالأخر خلفها ..
وتتنهد من فرط الإرهاق ..
وفى الخلف قليلاً يجلس رجلان متجاوران .. ينظر احدهما اليها و بعض بوادر التعاطف تبدأ فى الأرتسام على وجهه ويهم بالوقوف .. يراقبه الجالس بجواره فيقول :
- ماهم لو يقعدوا فى بيوتهم كانوا ارتاحوا و ريحونا ..
- محدش عارف ظروف الناس يا حاج ..
- يا بنى ظروف ايه بس .. ماهم لو يقعدوا فى بيوتهم ما تبقاش فيه ظروف .. الرجالة تشتغل بدل ماهم مش لاقيين وظايف .. والمواصلات الزحمة دى تفضى ... اهم بيزاحمونا فى كل حاجة و يرجعوا يشتكوا .. خليهم بقى يدعوا لقاسم امين اللى ربنا يجحمه مطرح ما راح..
- ماهو برضه ممكن يكون ..
- مش ممكن ولا حاجة .. خليك يا بنى قاعد و استهدى بالله .. هما اللى عملوا راسهم براس الرجالة .. يشربوا بقى ... واللى عايز الكحل يتكحل ....!!!

اطفاء
.
.
تنوير
مشهد داخلى لمنزل
هى تفتح الباب تلقى بأكياسها الثقيلة على اقرب مقعد وترتمى بجوارها تلهث ....
هو- الزوج - يخرج من غرفة النوم .. يغلق ازرار جاكت البيجاما و يتثائب ....

- انا تعبانة بشكل .. النهاردة كان يوم فظيع .. ما تتصورش.. كان عندى ضغط عملاء من ....
- بعدين يا ماما بعدين .. الغدا بسرعة و حياتك انا راجع تعبان و ميت من الجوع ...
- حاضر ..
.
.
.
بعد الغداء
هى ترفع الأطباق عن المائدة .. وتترنح ....
هو يخرج من الحمام .. يجفف يديه بمنشفة يلقيها بإهمال جانباً ثم يستلقى على الأريكة امام التليفزيون
و يتناول الريموت ....
- الشاى بقى يا ماما ..
هى تتأمله وهو يتابع الشاشة بشغف .. و تلتمع دمعة فى عينيها ..

اطفاء
.
.
تنوير
مشهد لنفس المنزل و تبدو سماء الليل من خلف النوافذ المغلقة ...
هى تلقى بجسدها المتعب الى جواره امام التليفزيون الذى يشاهده من اربع ساعات ، بعد ان انتهت من التنظيف و الطهو لغداء الغد و نشر الغسيل و اطعام طفلتها التى عادت من المدرسة و ساعدتها فى الاستذكار ...

هو يلقى عليها نظرة جانبية ، ثم يعود ببصره لمتابعة الفيديو كليب :
- شايفة الستات يا مدام ؟ .... جتنا نيلة فى حظنا الهباب ... !!!
- ...................#@&*@@#*!!!!

زووم اوت ثم اطفاء
.
.

تنوير و منظر خارجى لنفس البناية السكنية من الخارج ....
زووم إن على شقة اخرى

ليلى الأم تتحدث الى ابنها الشاب :
- ها .... و روحت النهاردة دفعت فاتورة التليفون زى ما قلت لك؟
يتململ ..
- لأ ... رحت لقيت الدنيا طوابير و خنقة ... بعدين بقى يا ماما لما الزحمة دى تخف...
- يا ابنى يا حبيبى ده انا قلت لك النهاردة اخر يوم ..
كده حندفع غرامة .. ما انا كل مرة باقف فى الطوابير و ادفعها ..
بس اديك عارف ضهرى تاعبنى قد ايه اليومين دول ...
- معلش بقى .. انتى عارفة انى بتضايق من الطوابير ....
اقوللك .. ابقى ابعتى البواب يدفعها و اديله عشرة عشرين جنيه و نريح دماغنا ....

- كمان عشرين جنيه للبواب .. و خمسين للغرامة .. يابنى هى الفلوس بنلاقيها على الشجر ؟
- .............................................. !!


زووم اوت
البناية من الخارج
زوووم ان على شقة اخرى ....

المشهد : ليلى ، فتاة فى منتصف العشرينات و ابيها

- يا بابا ما انا قعدت و اتكلمت معاه اكتر من مرة .. مفيش اى توافق .. و لا حتى مجرد القبول بتاع ربنا .. اتجوزه ازاى؟
- امال سعادتك عاوزة ايه؟ تروحى تحبى عيل خايب من بتوع اليومين دول و تيجى تقوليلى اخطبهولك؟؟
- لأ .. بس باقول ان لما يتقدم لى حد حضرتك موافق عليه يبقى برضه لسه من حقى ارفض لو مفيش توافق ...
- كسر حقك !!!!! ........ انا اللى اقول تتجوزى مين و ما تتجوزيش مين ..... اقول كويس يبقى كويس .. وللا انتى حتعرفى فى الناس اكتر منى ؟؟؟؟


زووم اوت
البناية من الخارج
زوووم ان على شقة اخرى ....

زوجة تصيح فى غضب:
- نعم ؟؟؟؟ اللى هو ازاى يعنى؟
اشتريت حاجة لنفسى من مرتبى .. مرتتتتتتبى ... مفروض " استأذنك " الأول ازاى يعنى؟؟؟؟؟؟؟

- هو كده ... مرتبك ده من مصروف البيت ... مش الوقت اللى بتقضيه فى الشغل ده كان مفروض تقضيه فى شغل البيت؟
- ده على اساس انى باشتغل بمزاجى؟ .... وانا لو قعدت فى البيت حندفع الأيجار والأقساط ازاى من مرتبك لوحده ؟؟؟
- ............................!
- هو مش مفروض ان مرتبى ده يبقى فلوسى الخاصة ؟ ... شرعاً يعنى؟ ... وانى لما اساعدك ده يبقى بمزاجى مش بالأجبار ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- ..................................................!


زووم اوت
البناية من الخارج
زوووم ان على شقة اخرى ....

المشهد لزوج يستعد للخروج و زوجة جالسة امام التلفزيون ..

- انا خارج ..
- طيب يا حبيبى ... حتتأخر؟
- ايوه ... حاقابل الشباب و غالباً حنسهر .....
- طيب اروح انا اقعد شوية مع صاحبتى ؟ .. مفيش ورايا حاجة و زهقت من القعدة طول النهار .... واهى فى الشارع اللى ورانا مش بعيد .. و مش حتأخر ...
- ولزومه ايه التنطيط ده؟ ... خليكى فى البيت احسن ....
- طيب أكلمها تيجى تقعد معايا شوية؟
- بصى انا الست دى من الأخر مش باستريحلها .....
- ليه بس ؟ عيبها ايه؟
- مفيش .. مش مرتاحلها و خلاص ... بصى ... موضوع صحابك ده كان قبل الجواز .. انا عايزك تقطعى علاقتك بالناس دى ...
- ليه بقى؟ كلهم بنات ناس و محترمين .. لو شفت منهم حاجة غلط قوللى ...
- ما توجعيش دماغى بقى ... اسمعى الكلام وخلاص ... وللا مش عارفة ان طاعة الزوج من طاعة ربنا؟
- اشمعنى انت بتخرج مع صحابك كل يوم و تسيبنى لوحدى ؟؟؟؟؟
- انا راااااااااجل ... عايزة تحبسينى جنبك فى البيت اقشرلك بطاطس وللا ايه؟
- .............................................................!!!!

زووم اوت
البناية من الخارج
زوووم ان على شقة اخرى ....

مراهق فى الثالثة عشر يجذب شقيقته ذات العشرين ربيعاً من ذراعها صائحاً :
- قلت مش حتنزلى يعنى مش حتنزلى ...
- وانت مالك انت ؟ انا استأذنت من ماما امبارح و اتفقت مع صاحباتى خلاص....
- وانا بقى باقولك مفيش خروج.......
الفتاة تصيح فى يأس :
- يا ماااااااماااااااااااا .... قولى للواد ده يخليه فى الأعدادية بتاعته و مالوش دعوة بيا ..

تأتى الأم مهرولة من الداخل على اصوات صياحهما و تقول مستنكرة :
- عيب كده ... اسمعى كلام اخوكى ... هو الراجل !

اطفاء
.
.
ظلام تام .............
_______________________________________

تنوير .......

" واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد... "

من خطبة الوداع لأشرف الخلق عليه الصلاة والسلام ...



السبت، 18 أكتوبر 2008

الفصل الخامس ـــــــــ فدوى : لم يفت الأوان


و جززتُ على شفتىّ كى لا أصرخ فرحاً ..... و نجحتُ فى إضافة نبرة لا مبالية لصوتى المرتجف و أنا أقول :
- " لا .. بالطبع لا أمانع ........ "

تنهد بارتياح .... ثم عاد يتحدث ....
كانت فى صوته لهفة لم تخطئها أذنى ....
رباه ... لقد كدت أفقد الأمل ...

خاصةً بعد حديثى الأخير مع هدى صديقتى ...
لقد أخبرتنى أنها قررت الانفصال عن زوجها ... مسكينة .. أنا أعلم جيداً كم تحبه ....
لكنى لم أندهش لقرارها ... أنا أعلم كم كانت محبطة و تعسة فى الفترة الأخيرة ...
وأتفهم أسبابها تماما ً ... لقد كنا دوماً نفكر بذات الأسلوب .........

لقد فكرت أنا نفسى فى ذات التصرف منذ أتيت إلى هنا ....
عندما غادرت المنزل بالأمس ، كان خالد صامتاً – كالعادة – و لم يبد تعبيراً ما وأنا أستقل سيارتى و أبتعد .. ربما إلى الأبد .....
دفعنى هذا إلى التفكير فى ما إذا كان من الممكن حقاً إصلاح زواجنا وإعادة علاقتنا إلى ما كانت عليه ..
وبالأمس بدأت أوقن أن هذا مستحيل ...
واستسلمت كلياً لقبضة اليأس التى اعتصرتنى بلا رحمة .....
كنت أفكر ، ماذا يجب أن أفعل ؟
هل أقبل بالوضع الحالى و أكتفى بأن أحبه أنا .. وأظل إلى جواره ؟
أم أُسلم بموت حبه لى و أبتعد ... ؟
ولكن ... هل سأقوى حقاً على هذا ؟ ...
وهو ... ؟
من يعنى به إن لم أكن أنا ؟
إنه كثيراً ما يستغرقه العمل حتى ينسى أنه يجب أن يأكل أو ينام حتى أرغمه على التوقف قليلاً ...
من يفعل هذا إن أنا تركته .... ؟

من قال أن الحب يجب أن يكون متساويأ ؟ .... ربما كان القدر الذى أحببته به يكفى كلينا ....
لكن .... هل سأستطيع حقاً أن أحيا هكذا ....؟

قضيت اليل كله أفكر ... يمزقنى الشعور بالوحدة .. والخوف .......
حظيت بفترات متقطعة من النوم ، استيقظت خلالها فزعة أكثر من عشر مرات .. اتسائل أين أنا .. ولماذا لا أجده بجوارى ..؟ ... ثم أتذكر فأعود إلى النوم لأحلم بكابوس أخر يوقظنى من جديد .......

لم نفترق يوماً واحداً منذ تزوجنا ....
وحين حدث هذا ، لا يبدو أنى أستطيع احتماله .....

رباه ..
إنى أحبه حقاً .... و يؤلمنى حقاً أنى لم أعد واثقة من مشاعره نحوى ......
لكن الآن ....
بعدما تحدثت إليه .. بدأت أشعر ببعض الاطمئنان ....
لقد آلمه فراقنا أيضاً .. كان هذا واضحاً فى نبراته .. وفى رغبته فى اللحاق بى و لم يمض على ابتعادى أكثر من يومٍ واحد .......
شهر بأكمله ... ، بعدما كان تأجيل عمله و دراساته ساعة واحدة ليحدثنى هو أمر غير وارد أصلاً ...
إنها معجزة .. معجزة حقيقية ....
يا إلهى الرحيم .. حمداً لك ..

مر الوقت بطيئاً كسلحفاة ، حتى سمعت صوت سيارته تتوقف بالخارج ...
وجاهدت لأمنع نفسى من الركض حتى الباب لاستقباله ..
وبعد لحظة .. سمعت صوت المفتاح يدور فى قفل الباب ... ثم دخل ...
اقترب منى فى بطء ...
وقرأت آلاف الكلمات فى عينيه .... ضمنها جميعاً فى ابتسامة ...
دافئة للمرة الأولى منذ .... منذ وقت طويل جداً ...
وأجبته بابسامة أيضاً ... أثملتنى السعادة فلم أقو على الكلام ...

- " فدوى ..... "
همس ، و بعد تردد قصير .. أحاطنى بذراعيه ..
ضمنى بإحكام فأغمضت عينىّ ارتياحاً ..
وبعد لحظات من الصمت ، رفع وجهى نحوه ...
وتأملته كأنه حلم قديم ... رباه ... كم أحبك .....

وهمس لى :
- " افتقدتك حقاً ... لا تفعلى هذا بى مرة أخرى ... "
- " إنه يوم واحد ..... "
- " كلا ... ليس فقط هذا ....
كنا معاً طوال الوقت ... ورغم هذا ... كنا بعيدان جداً .... "
ابتسمت بينما بللت دوع السعادة عينىّ و تمتمت :
- " أدركت هذا إذاً ... ؟ "
- " ليس بعد فوات الأوان ، لحسن الحظ .."
- " نعم .. لم يفت أواننا بعد .... "
- "
هل ستستطيعين غفران غبائى يا ملاكى ؟ ......
قولى أنك لا زلتِ تحبيننى ....
"

خفضت عينىّ لحظة ، ثم عدت أرفعهما إليه من جديد ، و فى خفوت قلت :
- " لم لا تقولها أنت .. ؟ .... أنا من تحتاج أن تسمعها .... "

كان هناك ألم عميق فى عينيه .. كما لو أنه يستنكر شكى فى مشاعره ..
- "
ولكنك تعلمين ... انتِ تعلمين كم أحبك .. أليس كذلك ؟ ....
لا يمكنك أن تتخيلى أنى لم أعد أحبك !! .. هذا جنون ...
"

ظللت صامتة ..
بعد شهور من المحاولات الفاشلة منى و التجاهل التام منه ، يدعو يأسى واحباطى جنوناً ....
عاد يهمس بحنان :
- " أنتِ أغلى ما فى حياتى .. لا أقوى على تصور أن أحيا بدونك و لو للحظة واحدة .......
أحبك ........ أحبك حقاً ....
أحببتك دائماً .. و لسوف أحبك إلى الأبد ....
"

تقافز قلبى فى جنون وأنا أستمع إليه .. و همست :
- " وأنا أحبك ..... جداً ......... "


عاد يضمنى ....

رغبت فى قول الكثير ..... ولكنى لم اقو على مواصلة الحديث ....
لكن .. ما قيمة الكلمات .... اننا الآن معاً بالفعلً ...
لقد عدنا .. أخيراً ...

- تمت -

السبت، 11 أكتوبر 2008

الفصل الرابع ـــــــــ خالد : ذهبت


ازداد الحال سوءً ....
لقد تركت فدوى المنزل اليوم ....
أم هل الصواب أن أقول " تركتنى " ....؟
قالت كلاماً كثيراً لم أفهم منه سوى إنها تتذرع بهذه الأسباب الحمقاء لتستطيع الابتعاد عنى لبعض الوقت لتفكر ...
تفكر فيم بحق السماء .. ؟؟!! .... لم أفهم .. وأصرت هى على عدم التوضيح أكثر ..
على أى حال – بعد اعتراض واهٍ منى – لم أجد بداً من الموافقة ..
خاصة وإنها كانت تبدو مصرة .....

وافقت ...
وأنا أتمنى أن يضع هذا حداً لحالة الجمود التى نعيشها .. و لعلها تدرك عندما تبتعد أن حياتنا كاملة .. وإن ظروف عملى التى تزعجها مؤقتة و ستنتهى خلال أعوام قليلة أحقق فيها نجاحاً يرضينى و استقراراً فى خطى مستقبلى المهنى الواعد ..

وافقت ...
وأنا لا أدرى كيف ستكون حياتى دونها و لو لبضعة أيام ...

كانت تتصرف – بالطبع - و كأنى سعيد بذهابها .. كما لو كان هذا اقتراحى انا أو كأنى قد طردتها طرداً ..
أطلقت الكثير من التلميحات عن أنى اعتبرها إزعاجاً وأنى لن أشعر بغيابها مطلقاً .. و غير هذا كثير ..
كانت غاضبة حقاً ، و مقتنعة تماماً بوجهة نظرها مما يجعل أى نقاش معها غير مجدى ..
مشكلة فدوى أنها عنيدة ، والجدال معها لا يفيد ...
إذا حاولت اقناعها بخطئها ستزداد تشبثاً برأيها ..
ولذا فقد وجدت أن خير تصرف هو أن أتركها لتفكر وآمل أن تصل إلى الحقيقة بمفردها ..

وهكذا .. ودعتها راجياً أن يقودها هذا " التفكير " الذى تنوى القيام به إلى إنه لا يوجد خطأ من أى نوع فى حياتنا ... وإن زواجنا مستقر بدرجة يفتقر إليها أغلب الأزواج .....
يا صغيرتى الحبيبة .. ماذا حدث لنا ؟؟؟

مرت الليلة وأنا أجول فى أرجاء المنزل ، عاجزاً عن مجرد السكون فى مكان واحد ...
حاولت – عشرات المرات – أن أقرأ أحد المراجع ... ولكنى لم أستطع التركيز ولا استيعاب حرف واحد ...
وفى النهاية – عندما تأكدت من عدم جدوى محاولاتى – رقدت علّى استطيع النوم ...
لكن هيهات .......
للمرة الأولى منذ زواجنا تبتعد عنى ... للمرة الأولى التفت فلا أجدها بجوارى ...
شعرت بانقباض وأنا أتأمل مكانها الخالى فى الفراش و كأنها لن تعود أبداً ....
ما كان يجب أن أتركها تذهب ... ما كان يجب أن أوافق ..
يالى من أحمق ....

فى الصباح ، توجهت إلى عملى مبكراً عن موعدى المعتاد ....
لم أستطع النوم لحظة ... ولم أحتمل البقاء فى المنزل الخالى ....
جلست إلى مكتبى أحدق فى الأوراق البيضاء أمامى ......
كانت حياتنا دوماً كهذه الأوراق .. صافية .. واضحة .. بلا أى شوائب ...
لماذا امتلأت - فجأة - بالطلاسم ؟
لم أعد أفهمها .. أو أفهم ماذا يحدث لنا .. أو لماذا لم .................

-" خالد .. ؟ "
رفعت عينىّ فى انزعاج لأتأمل سمير – زميلى فى العمل و فى الدراسة من قبل – ثم عدت أخفضهما فعاد يسألنى :
- " ماذا بك ... ؟ "
- " صداع .... "

جلس صامتاً .. ثم سأل فجأة :
- " هل تحدثت إلى طارق ؟ ..... أهذا ما يكدرك ؟ "
حدقت به فى غباء :
- " طارق ؟؟ .... لماذا ؟ ماذا حدث له ؟ "
- " هدى .... إنها تريد الطلاق "


طلاق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هوت الكلمة فوق رأسى كمطرقة ثقيلة ...
مستحيل ... أشياء كهذه تحدث فقط للأخرين ... ليس لأقرب أصدقائى ...

رددت فى ذهول :
- " طلاق ؟؟ ..... لكن .... لماذا؟؟
ولكنهما ......لقد .......لقد تزوجا قبل زواجى بأيام قليلة ....
"

أكمل وكأنه لم يسمعنى :
- " ذهبت بالأمس لزيارته و لم تكن زوجته بالمنزل ... وعندما سألته عنها أخبرنى إنها تركت المنزل من أسبوعين ...
قالت إنها تريد قضاء بعض الوقت عند أخيها فى فرنسا و أنهما بحاجة للأبتعاد عن بعضهما لفترة .. ثم تلقى منها رسالة تخبره فيها أن زواجهما لم يعد كما خططا له أن يكون وأنها حاولت كثيراً معه بلا فائدة .. وأنها فكرت فى الأمر كثيراً ووجدت أنها تفضل الانفصال عن الاستمرار فى زواج فاشل و إنها ...........


" أفضل أن ننفصل إذا اكتشفنا أن حبنا قد أنتهى ... أكره أن يستمر زواجنا مدفوعاً بالقصور الذاتى ... أريدنا أن نكون سوياً لأننا نريد هذا و ليس لأننا مضطران .... "

دوت عبارة فدوى القديمة فى أذنى .. لطالما كررتها فى أثناء خطبتنا ، وكنت أندفع حينذاك لأؤكد لها أنه من المستحيل أن يحدث لنا هذا ... وإنه لم يوجد أبداً رجل أحب أمرأة كما أحبها أنا ... وإن حبنا سرمدى لن ينتهى أبداً ..... وأن .... وأن .......

حدقت فى سمير بفزع ، فقطع حديثه – الذى لم أعد أسمع منه حرفاً – ليسألنى :
- " ماذا دهاك ؟ "
نهضت فى اضطراب وقلت :
- " ولكن ... ولكنهما .. تزوجا بعد قصة حب شهدناها جميعاً و ..... "
- " أنت و فدوى تزوجتما أيضاً بعد قصة حب ... أتستطيع – بأمانة – أن تقول إن حبكما – بعد عامين من الزواج – لم يزل كسابق عهده ؟ "

قلت فى عصبية :
- " إنه لم يقل بكل تأكيد ... أصبح فقط ... فى صورة مختلفة ........ "
هز كتفيه بلا مبالاة قائلاً :
- " ربما كان لها رأى أخر ...
على أى حال ، إن هدى – مثل فدوى صديقتها الحميمة – حالمة عاطفية ... تتوقع أن يستمر الحب كما كان .. فلم يحدث فى حياتهما بعد ما يوجب التغيير ، لا أطفال ، لا أحداث .. و لهذا فقد كانت تتوقع اهتمامه الدائم ..
ولم يمنحها طارق هذا .. فهى – على حد تعبيره – تعلم جيداً أنه يحبها .. ولهذا تزوجها ، فلا معنى لترديد هذا طوال الوقت ..
"

صمت قليلاً و كأنما يتوقع أن أعلق ، و لما لم أفعل عاد يتابع :
- " و هذا خطأ قاتل – إذا تناولت الأمر من وجهة نظرها – فقد كان يتغنى طوال الوقت بمدى حبه لها والسعادة التى تنتظرهما معاً و يرسم ملايين الأحلام .. و فجأة أصبحت فى أخر قائمة اهتماماته دون أى سبب واضح .. ولما كان لا سبب هناك لأى تغيير فى علاقتهما والعاطفة التى تجمعهما ، فلا تفسير إلا أن تكون هذه العاطفة قد ماتت .... ولهذا فإن هدى قد أصبحت موقنة تماماً إنه لم يعد يحبها ... "


- " لكنه يحبها حقاً ..... "
قلتها فى خفوت فقال :
- " نعم ... و يكاد يصاب بالجنون لإصرارها على تركه ...
لكنها لا تعرف هذا .. بل أصبحت واثقة من العكس ...
لقد أخبرتنى بهذا عندما تحدثت إليها محاولاً إصلاح الموقف .. قالت إنها لا تشعر بقيمة لها فى حياته أو تجد فائدة ما من استمرار زواجهما ، وان كل ما سينتج عن هذا هو التعاسة لكليهما .. وأن ............
ماهذا ؟ .........ماذا تكتب ؟؟ ....
"

- " طلب إجازة .... أرجو أن تقدمه بالنيابة عنى "
- " إجازة .... ؟؟ "
- " لمدة شهر ..... "
- شهر ... ؟؟؟ "
- " وداعاً "
- " وداعاً .. ؟؟؟ ..... انتظر ......... هل فقدت صوابك ؟؟ "
- " بل استرددت صوابى .. "

قلتها فى طريقى للخارج ، وأشك أن يكون سمير قد سمع منها حرفاً ، ولكنى لم أهتم ......
هناك أمور أكثر أهمية تشغلنى الآن ......
شملتنى صدمة قاسية من تصور أن يحدث لنا مثل هذا ........
ولما لا ؟ .... لقد بدا لى أن سمير يتحدث عنا ...
يصف حالنا فى الفترة الأخيرة ... بل و يتنبأ بما سيحدث إذا استمرت الأمور على ما هى عليه .......
صدمنى الإدراك المفاجئ لمدى أهمية فدوى فى حياتى ...... و بمدى حماقة انغماسى فى العمل لدرجة أن أهملها تماماً كما فعلت ...
والآن أكاد أفقدها ... و هى أهم و أجمل ما فى حياتى ....

بما سيفيدنى العمل إذا فقدتها ؟؟ .....
بدونها لن أكون سعيداً و لو امتلكت ثروات و سلطات العالم كلها ........

و بجنون قدت سيارتى – غريب أنى لم أصدم أحداً – ووصلت إلى المنزل بعد ما بدا لى دهراً بأكمله ...
لم أطق صبراً لانتظار المصعد ، فارتقيت درجات السلم قفزاً .. ثم فتحت باب منزلنا واندفعت إلى الداخل ناسياً أن أغلقه خلفى ...
التقطت الهاتف ، و ضغطت بعض الأزرار ...
ولاهثاً قلت :
- " فدوى ... "
سمعت صوتها الحبيب يهمس باسمى فعدت أقول :
- " فدوى .. لقد حصلت على إجازة لمدة شهر .. أنا فى طريقى لأنضم إليكِ ... "
ثم عدت أسأل بحذر :
- " أنتِ لا تمانعين ، أليس كذلك ؟ ... أعنى ، هل لازلتِ تريدين بعض الوقت بمفردك .....؟ "
و احتبست أنفاسى بانتظار إجابتها ........