السبت، 11 أكتوبر 2008

الفصل الرابع ـــــــــ خالد : ذهبت


ازداد الحال سوءً ....
لقد تركت فدوى المنزل اليوم ....
أم هل الصواب أن أقول " تركتنى " ....؟
قالت كلاماً كثيراً لم أفهم منه سوى إنها تتذرع بهذه الأسباب الحمقاء لتستطيع الابتعاد عنى لبعض الوقت لتفكر ...
تفكر فيم بحق السماء .. ؟؟!! .... لم أفهم .. وأصرت هى على عدم التوضيح أكثر ..
على أى حال – بعد اعتراض واهٍ منى – لم أجد بداً من الموافقة ..
خاصة وإنها كانت تبدو مصرة .....

وافقت ...
وأنا أتمنى أن يضع هذا حداً لحالة الجمود التى نعيشها .. و لعلها تدرك عندما تبتعد أن حياتنا كاملة .. وإن ظروف عملى التى تزعجها مؤقتة و ستنتهى خلال أعوام قليلة أحقق فيها نجاحاً يرضينى و استقراراً فى خطى مستقبلى المهنى الواعد ..

وافقت ...
وأنا لا أدرى كيف ستكون حياتى دونها و لو لبضعة أيام ...

كانت تتصرف – بالطبع - و كأنى سعيد بذهابها .. كما لو كان هذا اقتراحى انا أو كأنى قد طردتها طرداً ..
أطلقت الكثير من التلميحات عن أنى اعتبرها إزعاجاً وأنى لن أشعر بغيابها مطلقاً .. و غير هذا كثير ..
كانت غاضبة حقاً ، و مقتنعة تماماً بوجهة نظرها مما يجعل أى نقاش معها غير مجدى ..
مشكلة فدوى أنها عنيدة ، والجدال معها لا يفيد ...
إذا حاولت اقناعها بخطئها ستزداد تشبثاً برأيها ..
ولذا فقد وجدت أن خير تصرف هو أن أتركها لتفكر وآمل أن تصل إلى الحقيقة بمفردها ..

وهكذا .. ودعتها راجياً أن يقودها هذا " التفكير " الذى تنوى القيام به إلى إنه لا يوجد خطأ من أى نوع فى حياتنا ... وإن زواجنا مستقر بدرجة يفتقر إليها أغلب الأزواج .....
يا صغيرتى الحبيبة .. ماذا حدث لنا ؟؟؟

مرت الليلة وأنا أجول فى أرجاء المنزل ، عاجزاً عن مجرد السكون فى مكان واحد ...
حاولت – عشرات المرات – أن أقرأ أحد المراجع ... ولكنى لم أستطع التركيز ولا استيعاب حرف واحد ...
وفى النهاية – عندما تأكدت من عدم جدوى محاولاتى – رقدت علّى استطيع النوم ...
لكن هيهات .......
للمرة الأولى منذ زواجنا تبتعد عنى ... للمرة الأولى التفت فلا أجدها بجوارى ...
شعرت بانقباض وأنا أتأمل مكانها الخالى فى الفراش و كأنها لن تعود أبداً ....
ما كان يجب أن أتركها تذهب ... ما كان يجب أن أوافق ..
يالى من أحمق ....

فى الصباح ، توجهت إلى عملى مبكراً عن موعدى المعتاد ....
لم أستطع النوم لحظة ... ولم أحتمل البقاء فى المنزل الخالى ....
جلست إلى مكتبى أحدق فى الأوراق البيضاء أمامى ......
كانت حياتنا دوماً كهذه الأوراق .. صافية .. واضحة .. بلا أى شوائب ...
لماذا امتلأت - فجأة - بالطلاسم ؟
لم أعد أفهمها .. أو أفهم ماذا يحدث لنا .. أو لماذا لم .................

-" خالد .. ؟ "
رفعت عينىّ فى انزعاج لأتأمل سمير – زميلى فى العمل و فى الدراسة من قبل – ثم عدت أخفضهما فعاد يسألنى :
- " ماذا بك ... ؟ "
- " صداع .... "

جلس صامتاً .. ثم سأل فجأة :
- " هل تحدثت إلى طارق ؟ ..... أهذا ما يكدرك ؟ "
حدقت به فى غباء :
- " طارق ؟؟ .... لماذا ؟ ماذا حدث له ؟ "
- " هدى .... إنها تريد الطلاق "


طلاق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هوت الكلمة فوق رأسى كمطرقة ثقيلة ...
مستحيل ... أشياء كهذه تحدث فقط للأخرين ... ليس لأقرب أصدقائى ...

رددت فى ذهول :
- " طلاق ؟؟ ..... لكن .... لماذا؟؟
ولكنهما ......لقد .......لقد تزوجا قبل زواجى بأيام قليلة ....
"

أكمل وكأنه لم يسمعنى :
- " ذهبت بالأمس لزيارته و لم تكن زوجته بالمنزل ... وعندما سألته عنها أخبرنى إنها تركت المنزل من أسبوعين ...
قالت إنها تريد قضاء بعض الوقت عند أخيها فى فرنسا و أنهما بحاجة للأبتعاد عن بعضهما لفترة .. ثم تلقى منها رسالة تخبره فيها أن زواجهما لم يعد كما خططا له أن يكون وأنها حاولت كثيراً معه بلا فائدة .. وأنها فكرت فى الأمر كثيراً ووجدت أنها تفضل الانفصال عن الاستمرار فى زواج فاشل و إنها ...........


" أفضل أن ننفصل إذا اكتشفنا أن حبنا قد أنتهى ... أكره أن يستمر زواجنا مدفوعاً بالقصور الذاتى ... أريدنا أن نكون سوياً لأننا نريد هذا و ليس لأننا مضطران .... "

دوت عبارة فدوى القديمة فى أذنى .. لطالما كررتها فى أثناء خطبتنا ، وكنت أندفع حينذاك لأؤكد لها أنه من المستحيل أن يحدث لنا هذا ... وإنه لم يوجد أبداً رجل أحب أمرأة كما أحبها أنا ... وإن حبنا سرمدى لن ينتهى أبداً ..... وأن .... وأن .......

حدقت فى سمير بفزع ، فقطع حديثه – الذى لم أعد أسمع منه حرفاً – ليسألنى :
- " ماذا دهاك ؟ "
نهضت فى اضطراب وقلت :
- " ولكن ... ولكنهما .. تزوجا بعد قصة حب شهدناها جميعاً و ..... "
- " أنت و فدوى تزوجتما أيضاً بعد قصة حب ... أتستطيع – بأمانة – أن تقول إن حبكما – بعد عامين من الزواج – لم يزل كسابق عهده ؟ "

قلت فى عصبية :
- " إنه لم يقل بكل تأكيد ... أصبح فقط ... فى صورة مختلفة ........ "
هز كتفيه بلا مبالاة قائلاً :
- " ربما كان لها رأى أخر ...
على أى حال ، إن هدى – مثل فدوى صديقتها الحميمة – حالمة عاطفية ... تتوقع أن يستمر الحب كما كان .. فلم يحدث فى حياتهما بعد ما يوجب التغيير ، لا أطفال ، لا أحداث .. و لهذا فقد كانت تتوقع اهتمامه الدائم ..
ولم يمنحها طارق هذا .. فهى – على حد تعبيره – تعلم جيداً أنه يحبها .. ولهذا تزوجها ، فلا معنى لترديد هذا طوال الوقت ..
"

صمت قليلاً و كأنما يتوقع أن أعلق ، و لما لم أفعل عاد يتابع :
- " و هذا خطأ قاتل – إذا تناولت الأمر من وجهة نظرها – فقد كان يتغنى طوال الوقت بمدى حبه لها والسعادة التى تنتظرهما معاً و يرسم ملايين الأحلام .. و فجأة أصبحت فى أخر قائمة اهتماماته دون أى سبب واضح .. ولما كان لا سبب هناك لأى تغيير فى علاقتهما والعاطفة التى تجمعهما ، فلا تفسير إلا أن تكون هذه العاطفة قد ماتت .... ولهذا فإن هدى قد أصبحت موقنة تماماً إنه لم يعد يحبها ... "


- " لكنه يحبها حقاً ..... "
قلتها فى خفوت فقال :
- " نعم ... و يكاد يصاب بالجنون لإصرارها على تركه ...
لكنها لا تعرف هذا .. بل أصبحت واثقة من العكس ...
لقد أخبرتنى بهذا عندما تحدثت إليها محاولاً إصلاح الموقف .. قالت إنها لا تشعر بقيمة لها فى حياته أو تجد فائدة ما من استمرار زواجهما ، وان كل ما سينتج عن هذا هو التعاسة لكليهما .. وأن ............
ماهذا ؟ .........ماذا تكتب ؟؟ ....
"

- " طلب إجازة .... أرجو أن تقدمه بالنيابة عنى "
- " إجازة .... ؟؟ "
- " لمدة شهر ..... "
- شهر ... ؟؟؟ "
- " وداعاً "
- " وداعاً .. ؟؟؟ ..... انتظر ......... هل فقدت صوابك ؟؟ "
- " بل استرددت صوابى .. "

قلتها فى طريقى للخارج ، وأشك أن يكون سمير قد سمع منها حرفاً ، ولكنى لم أهتم ......
هناك أمور أكثر أهمية تشغلنى الآن ......
شملتنى صدمة قاسية من تصور أن يحدث لنا مثل هذا ........
ولما لا ؟ .... لقد بدا لى أن سمير يتحدث عنا ...
يصف حالنا فى الفترة الأخيرة ... بل و يتنبأ بما سيحدث إذا استمرت الأمور على ما هى عليه .......
صدمنى الإدراك المفاجئ لمدى أهمية فدوى فى حياتى ...... و بمدى حماقة انغماسى فى العمل لدرجة أن أهملها تماماً كما فعلت ...
والآن أكاد أفقدها ... و هى أهم و أجمل ما فى حياتى ....

بما سيفيدنى العمل إذا فقدتها ؟؟ .....
بدونها لن أكون سعيداً و لو امتلكت ثروات و سلطات العالم كلها ........

و بجنون قدت سيارتى – غريب أنى لم أصدم أحداً – ووصلت إلى المنزل بعد ما بدا لى دهراً بأكمله ...
لم أطق صبراً لانتظار المصعد ، فارتقيت درجات السلم قفزاً .. ثم فتحت باب منزلنا واندفعت إلى الداخل ناسياً أن أغلقه خلفى ...
التقطت الهاتف ، و ضغطت بعض الأزرار ...
ولاهثاً قلت :
- " فدوى ... "
سمعت صوتها الحبيب يهمس باسمى فعدت أقول :
- " فدوى .. لقد حصلت على إجازة لمدة شهر .. أنا فى طريقى لأنضم إليكِ ... "
ثم عدت أسأل بحذر :
- " أنتِ لا تمانعين ، أليس كذلك ؟ ... أعنى ، هل لازلتِ تريدين بعض الوقت بمفردك .....؟ "
و احتبست أنفاسى بانتظار إجابتها ........

ليست هناك تعليقات: